إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6491
خلاصة الدرجة: [صحيح]
الشرح
قوله: (0 إن الله كتب الحسنات والسيئات)) ؛ كتابته للحسنات والسيئات تشمل معنيين:
المعني الأول: كتابة ذلك في اللوح المحفوظ، فإن الله - تعالي- كتب في اللوح المحفوظ؛ كل شي كما قال الله: )إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49) وقال تعالي (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (القمر:53) فالله - سبحانه وتعالي- كتب السيئات والحسنات في اللوح المحفوظ ، إذا عملها العبد فإن الله - تعالي- يكتبها حسب ما تقتضيه حكمته، وحسب ما يقتضيه عدله وفضله.
فهاتان كتابتان:
كتابة سابقة: لا يعلمها إلا الله - عز وجل- فكل واحد منا لا يعلم ماذا كتب الله له من خير أو شر حتى يقع ذلك الشيء.
وكتابة لاحقة: إذا عمل الإنسان العمل كتب إذا عمل الإنسان العمل كتب له حسب ما تقتضيه الحكمة ، والعدل ، والفضل: (( ثم بين ذلك)) أي: ثم بين النبي صلي الله عليه وسلم ذلك كيف يكتب، فبين أن الإنسان إذا هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله - تعالي - حسنة كاملة.
مثاله: رجل هم أن يتوضأ ليقرأ القرآن، ثم لم يفعل ذلك وعدل عنه، فإنه يكتب له بذلك حسنة كاملة.
مثال آخر: رجل هم أن يتصدق، وعين المال الذي يريد أن يتصدق به، ثم أمسك ولم يتصدق ، فيكتب له بذلك حسنة كاملة. هم أن يصلي ركعتين، فأمسك ولم يصل ، فإنه يكتب له بذلك حسنة كاملة.
فإن قال قائل: كيف يكتب له حسنة وهو لم يفعلها؟
فالجواب علي ذلك: أن يقال إن فضل الله واسع، هذا الهم الذي حدث منه يعتبر حسنة؛ لأن القلب همام؛ إما بخير أو بشر، فإذا هم بالخير فهذه حسنة تكتب له، فإن عملها كتبها الله عشر حسنات إلي سبعمائة ضعف إلي أضعاف كثيرة.
وهذا التفاوت مبني على الإخلاص والمتابعة؛ فكلما كان الإنسان في عبادته أخلص لله كان أجره أكثر، وكلما كان الإنسان في عبادته أتبع للرسول صلي الله عليه وسلم كانت عبادته أكمل، وثوابه أكثر، فالتفاوت هذا يكون بحسب الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلي الله عليه وسلم .
أما السيئة فقال : (( وإن هم بسيئة فلم يتعبها كتبها الله حسنة كاملة))كرجل هم أن يسرق ، ولكن ذكر الله- عز وجل- فأدركه خوف الله فترك السرقة، فإنه يكتب له بذلك حسنة كاملة؛ لأنه ترك فعل المعصية لله فأثيب على ذلك كما جاء ذلك مفسراً في لفظ آخر: (( إنما تركها من جراي))(43) أي من أجلي،هم أن يفعل منكراً كالغيبة مثلاً، ولكنه ذكر أن هذا محرم فتركه لله؛ فإنه يعطي على ذلك حسنة كاملة.
فإن عمل السيئة كتب سيئة واحدة فقط، لا تزيد، لقوله - تعالي- )مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160) .
وهذا الحديث فيه: دليل على اعتبار النية؛ وأن النية قد توصل صاحبها إلي اليخير.
وسبق لنا أن الإنسان إذا نوي الشر، وعمل العمل الذي يوصل إلي الشر، ولكنه عجز عنه؛ فإنه يكتب عليه إثم الفاعل؛ كما سبق فيمن التقيا بسيفهما من المسلمين : (( إذا التقي المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار)) قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (( لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه))(44) والله الموفق