تحليل سياسي: أوباما وأسلوب جديد لمكافحة الإرهاب

واشنطن،- يعتزم الرئيس أوباما مواصلة تأسيس علاقات شراكة عالمية قوية للتصدي للإرهاب، غير أنه أشار منذ اليوم الأول لتوليه المنصب إلى انتهاج الولايات المتحدة أسلوبا جديدا لمواجهة العنف والتطرف.

قال أوباما في خطاب تنصيبه: "إن أمننا ينبعث من عدالة قضيتنا، ومن القوة التي تتسم بها مبادؤنا." ثم قال مخاطبا الإرهابيين "إلى أولئك الذين يسعون لتحقيق أغراضهم بإثارة الإرهاب وذبح الأبرياء، نقول لكم الآن إن روحنا أقوى ولا يمكن أن تنكسر أبدا؛ إنكم غير قادرين على البقاء زمنا أطول منا، وسوف نهزمكم."

وفي خطابه الذي حضره أكثر من مليون شخص غص بهم المرج القومي بالعاصمة واشنطن، وتابعته ملايين عديدة أخرى في جميع أرجاء العالم، تصدى أوباما لأحد أكثر المفاهيم إثارة للجدل بين المسلمين في جميع أنحاء العالم حول كفاح أميركا ضد الإرهاب منذ 11 أيلول/سبتمبر، 2001، والذي يتمثل في وجهة النظر الخاطئة التي أثارتها العديد من الجماعات المتطرفة عن أن كفاح الولايات المتحدة ضد الإرهاب هو ما أطلقوا عليه اسم "الحرب على الإسلام."

فقال أوباما إن أميركا "أمة تتكون من مسيحيين ومسلمين، ومن يهود وهندوس، ومن غير المؤمنين. إننا تشكلنا من كل لغة وكل ثقافة، وتحدرنا من كل أطراف هذه الأرض." ثم وجه حديثه إلى الدول الإسلامية قائلا "إلى العالم الإسلامي نقول، إننا نسعى نحو انتهاج طريق جديد إلى الأمام، يستند إلى المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل."

ثم قال أوباما: "إن الرسالة التي نبعث بها إلى جميع أرجاء العالم هي أن الولايات المتحدة تعتزم أن تواصل حتى النهاية الكفاح المستمر ضد العنف والإرهاب، وإننا سنفعل ذلك بمنتهى الحذر واليقظة ، وسنفعله بفاعلية شديدة، كما سنفعله بأسلوب يتمشى مع قيمنا ومُثُلنا."
ومن المقرر أن يكون إنعاش الدبلوماسية الأميركية ومساعدات التنمية من أهم مكونات الأسلوب الذي سينتهجه أوباما في مكافحة الإرهاب، كما اتضح في تعيين وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون يوم 22 كانون الثاني/يناير للسناتور السابق جورج ميتشيل مبعوثا خاصا إلى الشرق الأوسط (بشان عملية السلام)، والسفير ريتشارد هولبروك مبعوثا خاصا إلى أفغانستان وباكستان، وهي المنطقة التي وصفها أوباما بأنها "الجبهة المركزية في نضالنا المستمر ضد الإرهاب والتطرف."

وذكر أوباما أن "الأجيال السابقة تصدت للفاشية والشيوعية ليس بالصواريخ والدبابات فحسب، وإنما بعلاقات التحالف القوية وبالقناعات الراسخة. وإننا نتعهد بالعمل معكم من أجل أن تزدهر مزارعكم وأن تتدفق المياه النقية، لكي تتغذى الأجساد التي أضناها الجوع، ونغذي أيضا العقول المتعطشة للمعرفة."

وبمجرد توليه المنصب تحرك أوباما بسرعة للوفاء بأحد الوعود الأساسية التي قطعها على نفسه أثناء الحملة الانتخابية، بالتوقيع على أمر تنفيذي رئاسي بإغلاق مركز الاحتجاز في القاعدة البحرية الأميركية بخليج غواتانامو في كوبا خلال عام واحد، وبفرض قيود جديدة على أساليب التحقيق مع المشتبه في ارتكابهم أعمالا إرهابية. وقال "إننا نعتزم الفوز في هذه المعركة، وسوف ننتصر فيها بطريقتنا الخاصة."

ورغم أن معتقل غوانتانامو ما زال يضم عددا من كبار أعضاء تنظيم القاعدة، بمن فيهم خالد شيخ محمد الذي اعترف بمسؤوليته عن التخطيط لهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، إلا أن المعتقل أثار انتقادات دولية واسعة النطاق بسبب أحوال السجن فيه التي وصفها منتقدوه بأنها بعيدة عن الإطار القانوني التقليدي.

ومن بين ما قاله أوباما إن "آباءنا المؤسسين، وكانوا يواجهون مخاطر يصعب علينا تصورها، اختطوا ميثاقا للتأكيد على دور القانون وحقوق الإنسان. وهذه المبادئ ما زال يستنير بها العالم، ولن نتخلى عنها لمجرد انتهاز فرص سانحة."

كما أمر أوباما بتجميد إجراءات محاكمة المحتجزين الذين كانوا يحاكمون وفقا لنظام اللجان العسكرية، وسوف تتم على الفور مراجعة حالات الـ245 محتجزا في غوانتانامو. وستتولى لجنة جديدة مكونة من كبار المسؤولين في الحكومة والجيش والاستخبارات النظر في أفضل الوسائل لحل الموضوعات القانونية المعقدة المحيطة بقضايا الاحتجاز.

وبأمر رئاسي آخر، دعا أوباما إلى نبذ كل الأساليب القاسية في التحقيق مع المشتبه في ارتكابهم أعمالا إرهابية، مطالبا بأن يلتزم كل المسؤولين عن مكافحة الإرهاب والاستخبارات بما نص عليه الدليل الإرشادي للجيش حول استخدام الأساليب الإنسانية في التحقيق. وكان الدليل الإرشادي للجيش قد صدر في العام 2006 وروعي فيه التقيد باتفاقيات جنيف الدولية. وهو يحظر بشكل قاطع التعذيب والقسوة والمعاملة بأسلوب غير إنساني أو مهين.

وقد أكد أوباما على ذلك بقوله "أستطيع أن أقول بدون استثناء أو تردد أن الولايات المتحدة لن تمارس التعذيب،" ثم أضاف لاحقا "إن النموذج الأخلاقي الذي تمثله أميركا يجب أن يكون الأساس الوطيد والنبراس الهادي لدورنا القيادي في العالم."